بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـدور – كلمات ليست ككل الكلمات
بدور .. وهي كذلك كأسمها !! وجهها كأنه البدر - سريعة في استجابتها لما يدور حولها تلتفت اليك بمشاعرها وتنطر إليك بقلبها تخاطبك بكلمات ليست ككل الكلمات لانها لا تتكلم !!! فهي "بكماء "
تعانق أحبابها فيسمعون أنينها فهي لا تقوى على العناق !! لأنها ولدت "مريضة بالقلب" . ولاكن تحتطنك وتسارع بلغة الإشارة معاتبة (شلونك وكيف حالك؟ وليه ما نشوفك؟ وليه ما تزورنا؟)
ثم تنظر إليك بعينيها البريئة منبهرة ... برؤيتها لك. وأياك أن تكذب عليها وتعتذر لعدم زيارتك لها فهي لا "تجامل" وستشير بيدها إليك أنك (نوقود)
بدور!! الفتاة التي ولدت بثقب في القلب والتي فقدت سمعها منذ طفولتها عانت في حياتها على مدى سبع وعشرين سنة وأجري لها أكثر من ثلاث عمليات في القلب ولم تشتكي لأحد. بل كانت تبتسم وتسُعد من حولها بلغة الإشارة.. تخاطب الجميع وتمزح معهم.. تصارحهم بما في قلبها من ود ومحبة واحترام رغم أنها لا تتكلم.
رأيتها في اخر زيارة في المستشفى قبلت رأسها ليس لأنها اكبر مني سناُ !! فأنا عمها واكبر منها سناُ ولكن اردت تقبيل رأس كل فتاة تمتلك قلب كقلب بدور.. أنتهت الزيارة.. وفي اليوم الثاني توقف قلب بدور وتوقفت كلماتها. وستبقى كلماتها كلمات ليست ككل الكلمات
قرأت قصة بدور وتأثرت بها حتى ابكتني فهي قصة واقعية
أحبتي
إنَّ من فضلِ الله وكرمه أَنْ أنعمَ علينا نعمًا لا تعد ولا تحصى، مذكِّرًا المنانُ الوهَّابُ عبادَه المؤمنين بأنه مهما بلغوا في تعدادِ وإحصاء النعم عليهم، فإنهم لن يستطيعوا أن يحصوها، مهما ابتغوا إلى ذلك سبيلاًَ، يقول - جل جلاله -: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل : 18]، لذلك على الإنسانِ أن يدركَ أنَّ عليه أن يتأمَّلَ ويتفكر في نعمِ الله عليه، فيتوجب عليه أن يبدأ متأمِّلاً لنفسِه واعيًا لنعم الله التترا عليه، وقد ذكَّرنا الله بها: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات : 21]، فأين أنت من تذكرِ وتفكر نعمِ المنعم الوهاب في نفسِك، ولتكن ممن يقدرُ نعمَ الله عليك، ولتتأمل كلَّ نعمةٍ في بدنِك من بصرٍ وسمع، وما بداخلك من أعضاء خلقها الله بأفضلِ صورة وأكمل هيئة وأحسن تقويم، وتأمل بصرَك، كيف أنك تبصر وغيرُك لا يرى إلا ظلامًا! ولتغمض عينيك دقائقَ، عندها ستعرفُ قدرَ هذه النعمةِ العظيمة، التي ربما تستخدمُها في النظرِ إلى ما يغضب الله، قال بكر بن عبدالله: "يا ابنَ آدم، إن أردتَ أن تعرفَ قدر ما أنعم الله عليك فغمِّضْ عينيك"؛ عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين؛ لابن القيم.
وقس عليها كلَّ عضوٍ من أعضائك التي وهبك الله إياها وستعرفُ عندها قدرَ نعمة الله عليك، والتي قصَّرتَ في شكرها، ولا غرو أن هذا يدعونا لشكرِه شكرًا يليقُ بجلاله قولاً وفعلاً، سرًّا وجهرًا، باللسانِ وبالقلب والجوارح، على نعمِه العظيمة وآلائه الجسيمة، وقد قال ابن القيم - رحمه الله -: "والشكرُ يتعلَّقُ بالقلبِ واللسان والجوارح؛ فالقلبُ للمعرفةِ والمحبة، واللسانُ للثناءِ والحمد والجوارح، لاستعمالِها في طاعةِ المشكور، وكفها عن معاصيه"؛ عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، لابن القيم.
ومتى ما أراد الإنسانُ أن يعرفَ قدر نعمِ الله عليه، فلينظر إلى من هم حوله من المرضى والمبتلين، الذين أُخذت منهم نعمةٌ لخيرٍ لهم في الدنيا والآخرة، وعندها سيعرفُ الإنسانُ فضلَ الله ونعمه عليه، فكن ممن يصرفون نعمةَ الصحة والعافية في طاعةِ الله قبل أن يأتيَك يومٌ يفاجئك المرضُ، ثم لا تستطيع كما كنتَ صحيحًا معافًا، لذلك عليك أن تغتنمَ عافيتك وصحتك فيما ينفعك؛ فعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: قال النبيُّ - صلَّ الله عليه وسلَّم -: ((نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ والفراغ))؛ رواه البخاري، وقال - صلَّ الله عليه وسلَّم -: ((اغتنم خمسًا قبل خمس...))، وذكر منها: ((صحتَك قبل سقمك، وفراغَك قبل شغلِك))؛ أخرجه ابن المبارك في الزهد، والحاكم (4/306)، والمنذري في الترغيب (4/251).
وختامًا: أوصيكم ونفسي بالإكثارِ من الدعاء الذي وصَّى به سيدُ المرسلين - صلَّ الله عليه وسلَّم - معاذًا - رضي الله عنه -: ((اللهمَّ أعني على ذكرِك، وشكرِك وحسنِ عبادتك)).